حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة رضي الله عنها ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا
0000000000000
حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا موسى بن أبي عائشة قال حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس
في قوله تعالى
لا تحرك به لسانك لتعجل به
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه فقال ابن عباس فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى
لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه
قال جمعه لك في صدرك وتقرأه
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه
قال فاستمع له وأنصت
ثم إن علينا بيانه
ثم إن علينا أن تقرأه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه
000000000000000000000
حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن الزهري ح و حدثنا بشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة
000000000000000000000
حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره
أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشأم في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم نسبا فقال أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ثم قال لترجمانه قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه ثم كان أول ما سألني عنه أن قال كيف نسبه فيكم قلت هو فينا ذو نسب قال فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله قلت لا قال فهل كان من آبائه من ملك قلت لا قال فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت بل ضعفاؤهم قال أيزيدون أم ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال فهل يغدر قلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها قال ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قلت الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه قال ماذا يأمركم قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و
يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
قال أبو سفيان فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه يخافه ملك بني الأصفر فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام وكان ابن الناظور صاحب إيلياء وهرقل سقفا على نصارى الشأم يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناظور وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة قالوا ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخبره هرقل قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب فقال هم يختتنون فقال هرقل هذا ملك هذه الأمة قد ظهر ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال ردوهم علي وقال إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل
رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري
00000000000000000000000
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه ) رواه البخاري .
الشرح
حديثنا اليوم عن قوم اصطفاهم الله بمحبّته ، وآثرهم بفضله ورحمته ، أولئك الذين اعتصموا بأسباب السعادة والنجاح ، واجتهدت نفوسهم في نيل الرضا والفلاح ، ولم تملّ أبدانهم قطّ من طول العبادة ، فأفاض الله عليهم من أنواره ، وجعل لهم مكانة لم يجعلها لغيرهم ، وتولاّهم بنصرته وتأييده ، أولئك هم أولياء الله .
إنهم قوم عصمهم الله من مزالق الهوى والضلال ، فبشّروا بالأمن والسعادة في الدنيا والآخرة : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس : 62 – 63 ) ، وأنّى لهم أن يخافوا وقد آمنوا بالله وتوكّلوا عليه ؟ ، وأنّى لهم أن يحزنوا وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؟ ، فأثمر إيمانهم عملا صالحا ، وسكينة في النفس ، ويقينا في القلب .
ولقد بلغ من علو شأنهم ، وسمو قدرهم ، أن أعلن ربّ العزّة الحرب على كل من أراد بهم سوءاً ، أو ألحق بهم أذى ، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) .
فانظر أيها القاريء الكريم كيف يدافع الله عن أوليائه وأحبائه ، وكيف يمدّهم بالنصرة والتأييد ، ثم انظر كيف يتوعّد من عاداهم بالحرب .
حينها تعلم أن الله تعالى لا يتخلى عن أوليائه أو يتركهم فريسة لأعدائهم – ولو تأخّر هذا النصر وطالت مدّته - ؛ فهذه النصرة وهذا التأييد إنما هو مرتبط بسنن الله التي لا تتغيّر ولا تتبدّل ، وسنّة الله اقتضتْ أن يمهل الظالمين دون إهمالٍ لهم ، فإن تابوا وأنابوا ، وزالت عداوتهم للصالحين ، تاب الله عليهم ، وإن أصرّوا على باطلهم ، وتمادوا في غيّهم ، فإنّ الله يملي لهم استدراجاً ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وبذلك ينتصر الله لأوليائه ، ويجعل العاقبة لهم ، والغلبة على من عاداهم .
وإن بلوغ هذه المكانة شرف عظيم ، ونعمة كبرى يختصّ الله بها من يشاء من عباده ، وحق لنا أن نتسائل : ما الطريق الذي يعيننا على نيل هذه المرتبة العظيمة ؟ .
لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أول طريق الولاية حين قال : ( وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ) ، فهذه المنزلة لا تُنال حتى يرفع العبد شعار العبودية لله ، فيتقرب إليه أولا بما فرضه عليه من الأوامر ، ومايلزمه ذلك من مجانبة المعاصي والمحرمات .
ثم ينتقل المؤمن إلى رتبة هي أعلى من ذلك وأسمى ، وهي التودد إلى الله تعالى بالنوافل ، والاجتهاد في الطاعات ، فيُقبل على ربّه مرتادا لميادين الخير ، يشرب من معينها ، ويأكل من ثمارها ، حتى يصل إلى مرتبة الإحسان ، والتي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
وحال المؤمن عند هذه الدرجة عجيب ، إذ يمتليء قلبه محبة لربه وشوقا للقائه ، وخوفا من غضبه وعقابه ، ومهابة وإجلالا لعظمته ، فما بالك بعبد يقف بين يدي ربه وكأنه يراه رأي العين ، فلا تعجب من اليقين الذي يبلغه ، والسمو الإيماني الذي يصل إليه .
حينها يكون ذلك المؤمن ملهماً في كل أعماله ، موفقاً في كل أحواله ، فلا تنقاد جوارحه إلا إلى طاعة ، ولا ينساب إلى سمعه سوى كلمات الذكر ، ولا يقع ناظره إلا على خير ، ولا تقوده قدماه إلا إلى ما يحبه الله ، وهذا هو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ) ، وجدير بعبد وصل إلى هذه الدرجة أن يجيب الله دعاءه ، ويحقق سؤله ، ويحميه من كل ما يضره ، وينصره على عدوه .
ونزف إليك أيها القاريء الكريم شيئا من أخبار أولياء الله ، وطرفا من مآثرهم ، فعن علي بن أبي فزارة قال : " كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة ، فقالت لي يوما : اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي ، فأتيت فدققت عليه وهو في دهليزه فقال : من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء ، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب فقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفا ، فخرجت عجوز فقالت : قد تركته يدعو لها ، فجئت إلى بيتنا ودققت الباب ، فخرجت أمي على رجليها تمشي " ، وعن عبيد الله بن أبي جعفر قال : " غزونا القسطنطينية ، فكُسر بنا مركبنا ، فألقانا الموج على خشبة في البحر - وكنا خمسة أو ستة - فأنبت الله لنا بعددنا ورقة لكل رجل منا ، فكنا نمصّها فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها ، حتى مر بنا مركب فحملنا " .
لقد جمع الله تعالى لنا في كتابه شروط الولاية ، حين قال تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس : 62 – 63 ) ، ومن هنا قال من قال من أهل العلم : " من كان مؤمناً تقيّاً ، كان لله وليّاً " .
0000000000000000000000000
عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه ) ، حديث حسن رواه ابن ماجة و البيهقي وغيرهما .
الشرح
كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها ، وتحاسب على جميع أفعالها ، دون أن تكون مبررات الجهل أو النسيان شفيعةً لهم ، أو سببا في التجاوز عنهم ، في حين أن هذه الأغلال قد رُفعت عن هذه الأمة ، استجابةً لدعائهم ، ورحمةً من الله بهم ، كما بيّن الله تعالى ذلك في قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } ( البقرة : 286 ) ، وقوله سبحانه : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما } ( الأحزاب : 5 ) .
والحديث الذي بين أيدينا ما هو إلا مظهر من مظاهر رفع الأغلال والآصار عن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتجلّى ذلك إذا علمنا أن هذا الحديث يدخل فيه كثير من الأحكام الشرعية في مختلف أبواب العلم ، حتى إن الإمام النووي رحمه الله قال : " وهذا الحديث اشتمل على فوائد وأمور مهمة ، لو جُمعت لبلغت مصنفا " .
وصدق الإمام في ذلك ، لأننا إذا تأملنا أفعال العباد فإنها لا تخلو من حالين : أن تكون صادرة عن قصد واختيار من المكلف - وهذا هو الفعل العمد الذي يحاسب عليه صاحبه ويؤاخذ به - ، أو ألا يكون عمله مبنيا على القصد والاختيار ، وهذا يشمل الإكراه والنسيان والخطأ ، وهو ما جاء الحديث ببيانه .
فأما الخطأ ، فهو أن يريد الإنسان فعل شيء ، فيأتي فعله على غير مراده ، فهذا قد بينت الشريعة أن الله قد تجاوز عنه ، ولم يؤاخذ صاحبه به .
ولعل من لطيف الأمثلة في هذا الباب ، ما ذكره البخاري و مسلم في غزوة خيبر ، لما تبارز الصحابي الجليل عامر بن الأكوع رضي الله عنه مع مشرك ، فأراد عامر أن يقتل ذلك المشرك فرجعت ضربته على نفسه فمات ، فتحدث نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامرا قتل نفسه فبطل بذلك عمله ، فذهب أخوه سلمة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له : ( مالك ؟ ) فقال له : قالوا إن عامرا بطل عمله ، فقال : ( من قال ذلك ؟ ) ، فقال له : نفر من أصحابك ، فقال : ( كذب أولئك ، بل له الأجر مرتين ) ، ففي هذه الحادثة لم يقصد هذا الصحابي أن يقتل نفسه ، بل كان يريد أن يقتل ذلك المشرك فجاءت ضربته عليه ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه هذا معفو عنه .
على أن رفع الإثم والحرج عن المخطيء لا يعني بالضرورة عدم ترتب أحكام خطئه عليه ، خصوصا فيما يتعلق بحقوق العباد ؛ لذلك يطالب المسلم بالدية والكفارة إذا قتل مسلما خطأ ، كما بين الله تعالى ذلك في قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما } ( النساء : 92 ) .
وأما النسيان : فقد بينت الشريعة أنه معفو عنه ، ويشهد لذلك قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ( البقرة : 286 ) ، ومع ذلك فإن الأحكام الأخرى تترتب عليه كما أشرنا سابقا ، فمن نسي الصلاة فيجب عليه أن يقضيها متى ما ذكرها ، ومن نسي الوضوء ثم صلّى فإنه تلزمه إعادة تلك الصلاة .
وثالث هذه الأحوال : الإكراه ، فقد يُكره العبد على فعل شيء لا يريده ، وحينئذٍ لا يقع عليه الإثم أو الحرج .
وقد أنزل الله تعالى قوله : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ( النحل : 106 ) لما أجبر المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه على قول كلمة الكفر ، فكانت هذه الآية دليلا على نفي الحرج عن كل من كانت حاله كذلك .
وقد استثنى أهل العلم جملة من المسائل لا تدخل ضمن قاعدة رفع الحرج بالإكراه ، نحو قتل النفس المعصومة أو الزنا ونحو ذلك مما ذكره أهل العلم في كتب قواعد الفقه .
وحاصل الأمر ، فإن هذا الحديث من أوضح الأدلة على يُسر منهج الإسلام وسماحته ، كما إنه دليل على فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ، حيث خفّف الله عنها ما كان على الأمم قبلها ، فلله الحمد من قبل ومن بعد على نعمة الإسلام .